subject

لماذا أكره الجيل الجديد

في مثل هذه الأيام الحافلة لكل اللاعبين و التي نستقبل فيها جيلاً جديداً من أجهزة الألعاب المنزلية و هو حدث مهم بالنسبة لنا  و عرسٌ يتجدد مرةً كل عدة سنوات، أجد أن هذه هي أحد أكثر المرات التي أفقد فيها هذا الإهتمام الذي رافقني لسنوات و قد يُفسّر أحدهم الأمر بإنشغال المرء بحياته و تقدّم العمر لكن غير أنّي ما زلت في العشرينات من العمر و لست هرماً إلى هذا الحد، أرفض تفسير الأمر ببساطة أن مشاغلي قد صرفتني عن إهتماماتي لأنني ما زلت شغوفاً بعالم الألعاب بل و أكثر من أي وقتٍ مضى أرى نفسي قريباً منها، مطّلعاً عليها، ملّماً بأخبارها و أقدّرها كصناعة لأنني أستوعب الجهد المبذول فيها و الرسائل التي تحملها بين طيّاتها (نعم هذا قد يكون من فوائد كبر السن.. مع ذلك ما زلت في العشرينات!).

إذن، إن كنت أعشقها أكثر من أي وقتٍ مضى أليس من المنطقي أن أكون متحمّساً للجيل الجديد؟ نعم، منطقي تماماً! لكن.. أعتقد أنني أكره شيئين بخصوص صناعة الألعاب في هذا العصر و لعلّهما سبب أساسي في فقدان إهتمامي بالجيل الجديد و قبل أن أتحدث عنهما هناك شيء يجب أن أتطرق إليه أولاً و هو حالة صناعة ألعاب الفيديو في العقد الماضي.


بمجرد النظر إلى المخطط البياني التالي و الذي يوضّح حالة النمو في عائدات ألعاب الفيديو منذ عام 2000 لا نحتاج إلى شارلوك هولمز (أو إلى سلطان.. إن كنت تستمع إلى البودكاست ستفهم P:) حتى نستنتج أنها تنمو بشكل مستمر لكن المخطط البياني يختلف قليلاً حينما ننظر إلى عام 2013 إذ أن النمو من عام إلى آخر أصبح أسرع و عام 2013 كان العام الذي بدأ الجيل الماضي في نهايته حينما صدر جهازيّ بلايستيشن 4 و اكسبوكس ون. بالطبع لا أجزم بهذا أنهما السبب الرئيسي في هذا النمو فهناك عوامل أخرى تلعب دوراً كبيراً في هذا الأمر كألعاب الجوالات مثلاً لكن خلاصة القول هو أن هناك إرتفاعاً أكبر في جمهور اللاعبين و أجهزة الكونسول هي أحد أسهل و أيسر السُبل للدخول إلى عالم الألعاب و إرتفاع وعي عامة الجماهير بألعاب الفيديو يعني أننا إنتقلنا من الحقبة التي كنا نُعتبر فيها مخلوقات غريبة لا تنوي بقضائها ساعاتٍ أمام أجهزة الألعاب المنزلية سوى تدمير مستقبها و جلب العار لعوائلها إلى حقبة جديدة نجد فيها أن الآباء و الأمهات أنفسهم قد أصبحوا من فئة اللاعبين (حتى جدتي حفظها الله و أطال عمرها أدمنت ألعاب الجوالات في فترةٍ ما!!) مما يقودني للنقطة التالية و الأولى و هي رقعة الجهل المتّسعة حول مواصفات الأجهزة المنزلية.

هذا الفخ التسويقي و الذي نلاحظ آثاره تظهر بشكل كبير على طريقة تفكير بعض اللاعبين قد أصبحاً مرضاً عضالاً لا يُطاق مما يجعلني في مثل هذه الأيام أجتنب وسائل التواصل الإجتماعي لأنني أرى من النقاشات الحمقاء ما يجعلني أفكر بالرحيل من هذا الكوكب و الهجرة إلى مجرة أخرى لأنني على يقين تام بأن هؤلاء “يهايطون” بمواصفات لا يدركون ما هي ولا آلية عملها و مع ذلك يفتعلون الكثير من المشاكل بنقاشات لا أساس لها من الصحة و مقارنات تُشعرني كإنسان بالخجل من أنني أنتمي إلى نفس التصنيف الأحيائي مع مثل هذه المخلوقات لكن.. اللهم لا إعتراض.

المواصفات التقنية الجديدة لآجهزة الجيل الجديد بالتأكيد هي أحد الأسباب الرئيسية للإنتقال إليه حتى تكون الفرصة سانحة لتجربة لعب مطوّرة توفر ما لم تستطيع توفيره سابقاتها و هذا شيء ثابت عندي لا تغيّر فيه و هذا كل مافي الأمر. لكن حينما يصل بنا الأمر أن نستخدم مثل هذه المواصفات للتقليل من قدر الأجهزة الأخرى فما الطائل من هذا كله؟ أهي عقدة نقص؟ أهي محاولة بائسة ليُطمئن هذا المخلوق نفسه و يُثبت لها أنّه قد إستثمر ماله في الجهاز الصحيح؟ (فلاحين؟) لا أعلم، البشر مخلوقات معقدة و مع كل عام نجد أن أسبابهم تختلف و لكن يبقى الثابت الوحيد في هذه القضية هو أنني لا أستطيع أن أفهم ما الذي يرمون إليه مهما تعددت أسبابهم مما يقودني للنقطة التالية: أعتقد أننا فقدنا معنى المتعة في الألعاب!

نعم، لا أعتقد أن أمثال هؤلاء حقاً يستمتعون بالألعاب فهم مشغولون بالتطبيل الأعمى أكثر من التلهّف لتجربة الجيل الجديد و الإستمتاع بما يقدم و قد أفهم جماهير كرة القدم (فقط في هذا الإطار لأن ذلك صنف آخر من البشر الذين لا ينتمون إلينا) لأنهم لا دور لهم سوى المتابعة و التشجيع و لكن هنا نحن نشجّع و نلعب و أشك أننا مشغولون باللعب كما نحن مشغولون بالتشجيع و التطبيل!

ثم ماذا و إن كانت هناك مواصفات أفضل من آخر في أي جهاز؟ أليست جميعها بالكاد تصل إلى قوة جهاز حاسب يستخدم أضعف كرت شاشة من الجيل الحديث؟ و مع ذلك هل هذا مهم؟ لا، لأنهم سيلعبون بهذه المواصفات لمدة 7 سنوات أخرى و يبقى الشيء الوحيد المهم هو: المتعة! لكن من يراها يا قوم؟ قلّة قليلة!

في الحقيقة البشر لا يتعلمون من تجاربهم السابقة و الجماهير تنسى بسرعة مخيفة، كل ما يُعلن عنه من مواصفات للجيل الجديد هي تفاصيل تسويقية مضللة و غير دقيقة فالـ4K ليست 4K حقيقة و الـ60 فريم مع أنها مهمة لبعض الألعاب فهي ليست مهمة لها جميعاً (التجارب السينمائية و الاربيجي مثلاً؟) و الـRay Tracing ليست بالشيء المهول المُلاحظ بسهولة و الذي يُعطي تجربةً مختلفة إستثنائية و من بعدها لن تستطيع العودة أبداً. حتى يد بلايستيشن 5 الأسطورية و التي يتغزّل بها المراجعين ليل نهار بإهتزازاتها المتنوعة و تجربتها المثيرة و يُقال أنها متقدمة حتى أنها تُدلّك اللاعب و تُحممه في حمام مغربي و تكنس و تغسل و تطبخ و تغني له سنة حلوة يا جميل و تطمئن عليه حين يطول غيابه عن المنزل و  إلخ إلخ إلخ كلها أمور سمعناها سابقاً و لم نر لها أثراً فعالاً في تجربة اللاعب. نعم سوني تستطيع أن تصنع لعبة لتستعرض قدرات يد التحكم لكن هل هي شيء بالضرورة يستفيد منه بقية المطورين؟ لا أعلم، لكن من تجاربنا السابقة التي لم نتعلم منها مثل تقنية sixaxis في يد تحكم بلايستيشن 3 أو الـPSEye، الـMove، الـVR و غيرها أمور كثيرة لم تكن تقنيات مفصلية تستحق الضجّة .. الأمر ليس كذلك على الإطلاق. أنا لا أقلل من قدر هذه المواصفات و أهميتها لكنها ليست أساس المتعة، هي تضيف إليها، تُحسّنها، تعطينا تجربة أفضل لكن غياب كلها أو بعضها لا يعني أن اللعبة ليست ممتعة فهي ليست ما يُعرّف المتعة و إن كنت تختلف معي في هذا الأمر فأنا و أنت لسنا أصدقاء و شكراً لك هذا سبب جديد لي لأهجر الكوكب.

في فترةٍ ما كنا متعصبين و أنا كنت كذلك أيام مراهقتي لكن تغيّر الأمر كثيراً منذ 2007 و ما يسبب لي الجلطة هو أن هناك من أهم أكبر سنّاً مني ولا زالوا يعيشون هذه الحالة الغريبة. ربما حالة التعصب لم تكن مزعجة آنذاك و عبرت بسرعة كون أن رقعة اللاعبين كانت أقل مما هي عليه الآن بعد أن إتّسعت عالمياً و شملت فئات عمرية أكثر و أكبر و يبدو أنها لن تتوقف في أي وقت قريب.

خلاصة كلامي، أود أن أستمتع بالألعاب و أود للاعبين ذلك و مرة أخرى أقولها: لا يمكن لأي مخلوق على وجه البسيطة أن يُقنعني بأن هذي المعركة السخيفة حول المواصفات هي المتعة أو أنّها هي ما يُعرّفها و لعّلي أُلحق هذه المقالة بمقالة أخرى أتحدّث فيها عن ما الذي يُعرّف المتعة في صناعة الألعاب و لكن هذا موضوع لوقتٍ آخر و حان الوقت لأعود إلى العمل الذي لا عمل فيه لأنني أكتب هذا في يومٍ خال من المهام و لأن الفراغ مصيبة على الإنسان، تسللت هذه الأفكار السوداء إلى قلبي الطاهر و قررت التخلص منها هنا حتى أرتاح و أرميها عليك فشكراً إن كنت قد قرأتها حتى هذه الجزئية و أهلاً بك: “ستحمل هذا العبء الآن“. (إذا عرفت هذا التلميح راسلني رجاءً لأن إحتمالية أن أصطحبك معي حينما أغادر الكوكب عالية جداً!)

نلتقي في مقالٍ آخر.. يا رفاق!

شاركنا برأيك

guest
2 تعليقات
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
محمد
محمد
3 سنوات

مقاله جدا جميله ♥️
انا اتفهم ليش تحس بهالمشاعر ولكن عند غياب الوعي او الهوايات المتعدده او حتى حياه، الانسان يبدأ بالبحث عما يشغل وقته ولا شىء افضل بتضيع الوقت من الالعاب فتراهم يلعبونها ويلعبونها حتى نَسُوا ما هي الحياه او التفكير السليم وأيضا نَسوا ماهي متعة الالعاب يلعبونها بدون عقل او قلب.

Omar
Omar
3 سنوات

ماحد يقدر ينكر ان تويتر ومواقع التواصل صايرة toxic هالفترة لكن لا يعني ذلك انك تسمح لها انها تكرهك في هوايتك وفي ماتحب. وفي النهاية اذا كنت تحب صناعة الالعاب لهذه الدرجة اليس لها حق عليك انك تتجنب وتغض الطرف عن جميع المنغصات(قدر المستطاع) وعن الكونسول وورز؟ الانسان في هذا الوقت يستصعب الهروب من مواقع التواصل بحجة انه لا سبيل للعيش بدونها وانها اصبحت ضرورة. ولكن الحقيقة انه اذا كانت تلك المواقع تسلب مني شغفي وحبي لهوايتي فاللعنة عليها. شخصياً اخذت فترة نقاهة من الصناعة ككل لمدة ٣ اشهر تقريباً. قرأت كتب وشاهدت افلام ومارست العديد والعديد من الهوايات الاخرى… قراءة المزيد ..

2
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x